رخصة فساد
صفحة 1 من اصل 1
رخصة فساد
هل سمعتم بالبرّاني؟ بالطبع فهو ضيف يحل في كل مؤسسة حين تفتح له الأبواب، وهو يا سادة يأتي من الكرام الذين يتصدّقون على الموظفين، لقاء تمرير صفقاتهم أو معاملاتهم بالزور، أو بالتزوير أو بسرعة الصفير. وتتفاوت نسبة هذا الكرم بحسب الثقل النوعي والكمّي.
وقد دار الحديث التالي بين قريبي الذي يعمل في دائرة تشرِّع أبوابها على مصاريعها ترحيباً بهذا الضيف وبين أحد أصدقائه:
الأول: ما رأيك أن تتوظف عندنا، لدي من يعينك فوراً.
الثاني: لا أرجوك إذا بعت بندورة على البسطة، أحصّل بيومين ما يساوي راتبك الشهري، ثم قل لي كيف عندك من يوظفني؟
ـ بيع شراء، سلم تستلم، أنت تعرف كل أمر (معركس) ببلدنا يسهل بالمصاري، أنت فقط ادفع والباقي عليّ.
ـ وما هو الضمان لربما أخذ المصاري وشمع الخيط و(يافكيك) مثل ما صار مع جارتنا.
يدق قريبي على صدره والنخوة تغمره، ولا يهمك عندي الضمان، بيننا مصالح مشتركة لا يفرط فيها خيي أبو حسان.
ترتسم أمارات العجب: خيّك أبو حسان اشرح لي أكثر بالله عليك، ما فهمت. يهمس قريبي عالياً: وهل هذا أمر يحتاج إلى شرح؟ افتح مخك قليلاً، والعفو منك شنِّف لي آذانك يعني ستنسّق البراني مع بعضنا.
ـ وتقولها بالفم الملآن. قل منسِّقو الرشا، والله يا رجل أنتم المفسدون في الأرض بذاتهم، لازم تكتفوا برواتبكم وما تطولوا الأيادي، ابحث لك عن عمل ثان يا أخي أحسن ما توقع وتروح فيها دعس.
يحتد قريبي وتكاد دماؤه تنفر من عروق رقبته المتورمة ـ ومن قال لك إني لا أبحث؟ ثم أتعتبر هذا راتباً يحترم إنسانيتنا ويجب أن يكفينا لنعيش كبشر، وخصوصاً في مؤسستنا، راتبنا صافٍ وليس لدينا مثل بعض الوزارات تعويض إضافي، حوافز، مكافآت، طبيعة عمل.. إلخ من البراني المشروع. نعاني التعب الكبير والغبرة وقلة التقدير، وكل إنسان يرانا نشهق ولا نلحق بعملنا يتوقع أن المكافآت علينا كفت وبلا حساب.
ـ لا تحاول أن تقنعني، كل واحد يأخذ على قد ما يستاهل.
ـ ليس قصدي تبريراً لرشوة، لكل فكّر معي يا سيدي، افرض كان عندك عمل مستعجل علي إتمامه، وتريد لمعاملتك أن تتم بأقصى سرعة، ولقيت قدامك طابوراً طويلاً عريضاً من المراجعين، وصارت لك الفرصة حتى تزحلق معاملتك فتصل بقدرة قادر إلى يد جميع الموظفين وتتلقاها فوراً بيدك تامة الختوم والتواقيع. سؤالي: أتدفع كم ليرة من تحت لتحت، أم تنتظر إلى أن تفقع روحك لحين اقتراب دورك؟ هذا اسمه يا صديقي ضريبة السرعة.
ـ ربما أقول بذلك، لكن تبقى اسمها رشوة مهما حاولت تبريرها. ومن أخذها مرتش، وهذا حرام وعيب.
ـ لا بل ما يأخذه الموظف لقاء تعبه الكبير هو ما يستأهله في الحقيقة على حد قولك، لكن حسناً يا سيدي، وإن قلت لك إنها منظمة من قبل المديرين أو محسوب حسابها على أساس هي من دخلنا الرسمي.
ـ كيف هذا؟ أوضح بالله عليك.
ـ عندما قام أحد المسؤولين الكبار بجولة اطلاعية، قلنا هذه فرصتنا الذهبية، نطالب جماعياً، ووجهاً لوجه بحقوقنا، حوافز، مكافآت، طبيعة عمل، علّنا نكف أيدينا قليلاً.
أتعرف ماذا كان رده؟ سأقول لك يا مرحوم الوالدين. قال وهو نافخ عزيمته مهندس شاربيه فوق ابتسامته الخبيثة اللئيمة: لماذا ألا يكفيكم البرّاني الذي تحصّلونه من الناس ونحن ساكتون وغاضّون البصر.
وهكذا سكت صديقه عن الكلام المباح وأطرق!
وقد دار الحديث التالي بين قريبي الذي يعمل في دائرة تشرِّع أبوابها على مصاريعها ترحيباً بهذا الضيف وبين أحد أصدقائه:
الأول: ما رأيك أن تتوظف عندنا، لدي من يعينك فوراً.
الثاني: لا أرجوك إذا بعت بندورة على البسطة، أحصّل بيومين ما يساوي راتبك الشهري، ثم قل لي كيف عندك من يوظفني؟
ـ بيع شراء، سلم تستلم، أنت تعرف كل أمر (معركس) ببلدنا يسهل بالمصاري، أنت فقط ادفع والباقي عليّ.
ـ وما هو الضمان لربما أخذ المصاري وشمع الخيط و(يافكيك) مثل ما صار مع جارتنا.
يدق قريبي على صدره والنخوة تغمره، ولا يهمك عندي الضمان، بيننا مصالح مشتركة لا يفرط فيها خيي أبو حسان.
ترتسم أمارات العجب: خيّك أبو حسان اشرح لي أكثر بالله عليك، ما فهمت. يهمس قريبي عالياً: وهل هذا أمر يحتاج إلى شرح؟ افتح مخك قليلاً، والعفو منك شنِّف لي آذانك يعني ستنسّق البراني مع بعضنا.
ـ وتقولها بالفم الملآن. قل منسِّقو الرشا، والله يا رجل أنتم المفسدون في الأرض بذاتهم، لازم تكتفوا برواتبكم وما تطولوا الأيادي، ابحث لك عن عمل ثان يا أخي أحسن ما توقع وتروح فيها دعس.
يحتد قريبي وتكاد دماؤه تنفر من عروق رقبته المتورمة ـ ومن قال لك إني لا أبحث؟ ثم أتعتبر هذا راتباً يحترم إنسانيتنا ويجب أن يكفينا لنعيش كبشر، وخصوصاً في مؤسستنا، راتبنا صافٍ وليس لدينا مثل بعض الوزارات تعويض إضافي، حوافز، مكافآت، طبيعة عمل.. إلخ من البراني المشروع. نعاني التعب الكبير والغبرة وقلة التقدير، وكل إنسان يرانا نشهق ولا نلحق بعملنا يتوقع أن المكافآت علينا كفت وبلا حساب.
ـ لا تحاول أن تقنعني، كل واحد يأخذ على قد ما يستاهل.
ـ ليس قصدي تبريراً لرشوة، لكل فكّر معي يا سيدي، افرض كان عندك عمل مستعجل علي إتمامه، وتريد لمعاملتك أن تتم بأقصى سرعة، ولقيت قدامك طابوراً طويلاً عريضاً من المراجعين، وصارت لك الفرصة حتى تزحلق معاملتك فتصل بقدرة قادر إلى يد جميع الموظفين وتتلقاها فوراً بيدك تامة الختوم والتواقيع. سؤالي: أتدفع كم ليرة من تحت لتحت، أم تنتظر إلى أن تفقع روحك لحين اقتراب دورك؟ هذا اسمه يا صديقي ضريبة السرعة.
ـ ربما أقول بذلك، لكن تبقى اسمها رشوة مهما حاولت تبريرها. ومن أخذها مرتش، وهذا حرام وعيب.
ـ لا بل ما يأخذه الموظف لقاء تعبه الكبير هو ما يستأهله في الحقيقة على حد قولك، لكن حسناً يا سيدي، وإن قلت لك إنها منظمة من قبل المديرين أو محسوب حسابها على أساس هي من دخلنا الرسمي.
ـ كيف هذا؟ أوضح بالله عليك.
ـ عندما قام أحد المسؤولين الكبار بجولة اطلاعية، قلنا هذه فرصتنا الذهبية، نطالب جماعياً، ووجهاً لوجه بحقوقنا، حوافز، مكافآت، طبيعة عمل، علّنا نكف أيدينا قليلاً.
أتعرف ماذا كان رده؟ سأقول لك يا مرحوم الوالدين. قال وهو نافخ عزيمته مهندس شاربيه فوق ابتسامته الخبيثة اللئيمة: لماذا ألا يكفيكم البرّاني الذي تحصّلونه من الناس ونحن ساكتون وغاضّون البصر.
وهكذا سكت صديقه عن الكلام المباح وأطرق!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى