استهلاك السعادة
صفحة 1 من اصل 1
استهلاك السعادة
يقول الكاتب الساخر برناردشو: «لا حق لنا باستك السعادة بغير إنتاجها إلا كحقنا باستك الثروة بغير إنتاج». أعتقد أن مقولة برناردشو تنطبق الآن أو يمكن إسقاطها على وقائع اقتصادية كثيرة عندنا إلا أن أنسب إسقاط قد يكون على واقع الشركات المتعثرة التابعة لوزارة الصناعة.. ولست أدري لماذا حَمل عمال هذه الشركات وزر آليات عمل وإدارات رديئة أوصلتهم إلى ما هم عليه الآن.. في شركات أُكلت لحماً ورُميت عظماً بآلاتها ومخازينها وعمالها.. إذ يكفي أن تزور شركة صناعية واحدة متعثرة «وهي تسمية تم اصطلاحها بدلاً من خاسرة» لتكتشف حجم وكمية تراكم الأخطاء التي تم استكها بحق هذه المنشآت والشركات في القطاع العام.. والسؤال هو: كم من السعادة استهلكت في القطاع العام الصناعي من قِبل أشخاص أداروا هذه الشركات دون أن يتم إنتاج قرارات قادرة على تطوير سلعة أو منتج أو عامل أو آلة؟!
لقد تم استك شركات القطاع العام وإدارتها بطريقة «الترين» الذي يمشي باتجاه واحد دون توقف بأي محطة إصلاح على مدى عقود مضت إلى أن خرج عن سكة الإنتاج، لتسير هذه الشركات كيفما شاءت دون سكة أو طريق واضح المعالم..
واليوم ثمة من يرى أن الحكومة ووزارة الصناعة لم تفلحا في تنفيذ البرنامج الموضوع في الخطة الخمسية العاشرة فيما يخص الصناعة.. فالخطة تضمنت استراتيجية مبنية لهذا القطاع على أساس «تحويله إلى محرك رئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لخلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة، وكذلك تحقيق تنويع في الإنتاج وفق حسابات السوق وتعميق الإنتاج المتوجه نحو التصدير وجذب وتحفيز الصناعات كثيفة رأس المال».
يحق لنا اليوم مع بداية العام الرابع للخطة السؤال عما تم تحقيقه وما أعطيت له الصناعة من كلام موجود في الخطة ورقياً؟
أين الـ15% نسبة نمو موعودة في الصناعة السورية؟
أين زيادة الاستثمار والعائد على الاستثمار في الصناعة التحويلية، وأين خطة تمكين القطاع العام الصناعي الذي اعتبرته استراتيجية الخطة أداة التدخل الإيجابي في السوق، وأين البيئة المناسبة للقطاع الخاص والتي وعدت بها الخطة الخمسية من خلال رفع القيود ورفع مساهمة القطاع الخاص؟
أين البرامج الواضحة والقادرة على تخليص الصناعة في القطاع العام من مشكلاتها وأمراضها المزمنة؟
لم يظهر برنامج إصلاح القطاع العام الصناعي منذ 9 سنوات حتى الآن، وعندما جاءت الخطة الخمسية العاشرة كان الحديث عن هذا البرنامج قوياً، إلى أن انخفض نفس الحديث له وتلاشى إلى أن اعتبر السيد وزير الصناعة مجرد طرح مواقع عدد من الشركات للاستثمار انطلاقة لإصلاح القطاع العام كما طرحت 14 شركة للاستثمار مؤخراً، ومنذ أيام قررت الحكومة إيقاف العمل في الشركات المتوقفة عن الإنتاج أصلاً وتقرر أيضاً طرح هذه الشركات للاستثمار بكل أشكاله.. وتحويل عمالتها إلى شركات أخرى، لأن أجور عمال هذه الشركات سنوياً تقترب من مليار ليرة تدفع لعمال لا أقول بلا عمل إنما عمال أوقفهم الانتظار في قضية إصلاح القطاع العام الصناعي عند سقف معين من محدودية الأداء، والإدراك والقدرة وبالتالي مسألة تطوير المهارات والتأهيل والتدريب توقفت عند حاجز معين، وليس بالإمكان الآن تطوير هذه المهارات إلا لفئة محددة من العمال، فتحول العامل إلى منتظر للراتب كل أول شهر.
وفي فترة الانتظار لابد من تمضية الوقت بلعب الورق والنرد.. نعم هذه نتائج إهمال الإصلاح الإداري والقفز إلى خطوات إصلاحية مبعثرة دون خط أو منهج عام.
أتيح لي العام الماضي زيارة عدد من الشركات الهندية كبيرة وصغيرة.. أهم ما رأيته وسمعته عندهم أن الأولوية للتسلح بنظام إداري متماسك وقوي.. وبالفعل هناك الشركة سواء كانت قطاعاً عاماً أو خاصاً لديها تقريباً نفس النظام الإداري، من حيث التنظيم والهياكل الوظيفية والأقسام وغيرها.. وأهم ما يلفت النظر في ذاك النظام الإداري تلك الأقسام الكبيرة والمجهزة بوسائل التعليم الحديثة، هذه القاعات موجودة في معظم الشركات ومخصصة للتنمية البشرية، والتدريب والتأهيل، فالعامل سنوياً هناك يخضع للعديد من الدورات التي يحتاجها في تطوير آلية عمله.
إن طرح شركات القطاع العام عندنا للاستثمار هكذا أمر يعكس إشارات كبيرة حول غموض المنهج في التعاطي مع مستقبل القطاع العام الصناعي كله.. أو ربما ارتباك في التعامل مع الشركات الخاسرة وكيفية الحفاظ على الشركات الرابحة.. فالاستثمار بكل أشكاله غالباً هو عبارة تعبر عن اليأس من أوضاع الشركات المتعثرة.
وأمام هذا الحال فإن استثمار هذه الشركات بكل أشكاله يفتح الباب أمام القطاع الخاص لاستثمار تراث الحكومة الصناعي ولا يسعنا هنا إلا التمني بأن توفق هذه الشركات باستثمارات جيدة تعوض على الأقل رواتب العمال.
ألا يعكس هذا اليأس تجاه الشركات المتعثرة فشلاً صريحاً وواضحاً في إدارة أزمة هذه الشركات على مدى سنوات.
وكذلك ما الذي يضمن لنا مصير شركات القطاع العام الرابحة حالياً والتي قد يميل الزمان عليها، لأن طريقة وأسلوب الإدارة هي هي ولم تتغير؟
والسؤال الأهم هنا حول مبدأ فصل الإدارة عن الملكية ماذا حل به؟ وكيف وأين طبقته الحكومة؟!
التساؤلات كبيرة حول إدارة ومستقبل ومصير القطاع العام أولاً والصناعي ثانياً.
التفكير الآن جدياً في إفساح المجال للقطاع الخاص في الكثير من القضايا أصبح مطروحاً والذي أوجدت الحكومة له تسمية بمصطلح (التشاركية) ومنذ أيام نوقشت مذكرة حكومية حول الشراكة بين العام والخاص.. ربما الحكومة أيقنت أن القطاع الخاص بات منقذاً لها في مشاريع مستقبلية أو إدارات لم تعد تجد معها طرائق القطاع العام نفعاً.. أو ربما لم تعد الحكومة تشعر بالسعادة جراء الاستك الزائد وأرّقها وضع المستات وعجز الميزان التجاري لهذا قررت تطبيق مقولة برناردشو.
لقد تم استك شركات القطاع العام وإدارتها بطريقة «الترين» الذي يمشي باتجاه واحد دون توقف بأي محطة إصلاح على مدى عقود مضت إلى أن خرج عن سكة الإنتاج، لتسير هذه الشركات كيفما شاءت دون سكة أو طريق واضح المعالم..
واليوم ثمة من يرى أن الحكومة ووزارة الصناعة لم تفلحا في تنفيذ البرنامج الموضوع في الخطة الخمسية العاشرة فيما يخص الصناعة.. فالخطة تضمنت استراتيجية مبنية لهذا القطاع على أساس «تحويله إلى محرك رئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لخلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة، وكذلك تحقيق تنويع في الإنتاج وفق حسابات السوق وتعميق الإنتاج المتوجه نحو التصدير وجذب وتحفيز الصناعات كثيفة رأس المال».
يحق لنا اليوم مع بداية العام الرابع للخطة السؤال عما تم تحقيقه وما أعطيت له الصناعة من كلام موجود في الخطة ورقياً؟
أين الـ15% نسبة نمو موعودة في الصناعة السورية؟
أين زيادة الاستثمار والعائد على الاستثمار في الصناعة التحويلية، وأين خطة تمكين القطاع العام الصناعي الذي اعتبرته استراتيجية الخطة أداة التدخل الإيجابي في السوق، وأين البيئة المناسبة للقطاع الخاص والتي وعدت بها الخطة الخمسية من خلال رفع القيود ورفع مساهمة القطاع الخاص؟
أين البرامج الواضحة والقادرة على تخليص الصناعة في القطاع العام من مشكلاتها وأمراضها المزمنة؟
لم يظهر برنامج إصلاح القطاع العام الصناعي منذ 9 سنوات حتى الآن، وعندما جاءت الخطة الخمسية العاشرة كان الحديث عن هذا البرنامج قوياً، إلى أن انخفض نفس الحديث له وتلاشى إلى أن اعتبر السيد وزير الصناعة مجرد طرح مواقع عدد من الشركات للاستثمار انطلاقة لإصلاح القطاع العام كما طرحت 14 شركة للاستثمار مؤخراً، ومنذ أيام قررت الحكومة إيقاف العمل في الشركات المتوقفة عن الإنتاج أصلاً وتقرر أيضاً طرح هذه الشركات للاستثمار بكل أشكاله.. وتحويل عمالتها إلى شركات أخرى، لأن أجور عمال هذه الشركات سنوياً تقترب من مليار ليرة تدفع لعمال لا أقول بلا عمل إنما عمال أوقفهم الانتظار في قضية إصلاح القطاع العام الصناعي عند سقف معين من محدودية الأداء، والإدراك والقدرة وبالتالي مسألة تطوير المهارات والتأهيل والتدريب توقفت عند حاجز معين، وليس بالإمكان الآن تطوير هذه المهارات إلا لفئة محددة من العمال، فتحول العامل إلى منتظر للراتب كل أول شهر.
وفي فترة الانتظار لابد من تمضية الوقت بلعب الورق والنرد.. نعم هذه نتائج إهمال الإصلاح الإداري والقفز إلى خطوات إصلاحية مبعثرة دون خط أو منهج عام.
أتيح لي العام الماضي زيارة عدد من الشركات الهندية كبيرة وصغيرة.. أهم ما رأيته وسمعته عندهم أن الأولوية للتسلح بنظام إداري متماسك وقوي.. وبالفعل هناك الشركة سواء كانت قطاعاً عاماً أو خاصاً لديها تقريباً نفس النظام الإداري، من حيث التنظيم والهياكل الوظيفية والأقسام وغيرها.. وأهم ما يلفت النظر في ذاك النظام الإداري تلك الأقسام الكبيرة والمجهزة بوسائل التعليم الحديثة، هذه القاعات موجودة في معظم الشركات ومخصصة للتنمية البشرية، والتدريب والتأهيل، فالعامل سنوياً هناك يخضع للعديد من الدورات التي يحتاجها في تطوير آلية عمله.
إن طرح شركات القطاع العام عندنا للاستثمار هكذا أمر يعكس إشارات كبيرة حول غموض المنهج في التعاطي مع مستقبل القطاع العام الصناعي كله.. أو ربما ارتباك في التعامل مع الشركات الخاسرة وكيفية الحفاظ على الشركات الرابحة.. فالاستثمار بكل أشكاله غالباً هو عبارة تعبر عن اليأس من أوضاع الشركات المتعثرة.
وأمام هذا الحال فإن استثمار هذه الشركات بكل أشكاله يفتح الباب أمام القطاع الخاص لاستثمار تراث الحكومة الصناعي ولا يسعنا هنا إلا التمني بأن توفق هذه الشركات باستثمارات جيدة تعوض على الأقل رواتب العمال.
ألا يعكس هذا اليأس تجاه الشركات المتعثرة فشلاً صريحاً وواضحاً في إدارة أزمة هذه الشركات على مدى سنوات.
وكذلك ما الذي يضمن لنا مصير شركات القطاع العام الرابحة حالياً والتي قد يميل الزمان عليها، لأن طريقة وأسلوب الإدارة هي هي ولم تتغير؟
والسؤال الأهم هنا حول مبدأ فصل الإدارة عن الملكية ماذا حل به؟ وكيف وأين طبقته الحكومة؟!
التساؤلات كبيرة حول إدارة ومستقبل ومصير القطاع العام أولاً والصناعي ثانياً.
التفكير الآن جدياً في إفساح المجال للقطاع الخاص في الكثير من القضايا أصبح مطروحاً والذي أوجدت الحكومة له تسمية بمصطلح (التشاركية) ومنذ أيام نوقشت مذكرة حكومية حول الشراكة بين العام والخاص.. ربما الحكومة أيقنت أن القطاع الخاص بات منقذاً لها في مشاريع مستقبلية أو إدارات لم تعد تجد معها طرائق القطاع العام نفعاً.. أو ربما لم تعد الحكومة تشعر بالسعادة جراء الاستك الزائد وأرّقها وضع المستات وعجز الميزان التجاري لهذا قررت تطبيق مقولة برناردشو.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى